الأحد، 17 مايو 2009

مفهوم المحاسبة القومية الخضراء وتطبيقاتها


إن الاهتمام بموضوع الحسابات القومية البيئة وما يرتبط بها من تقدير للناتج المحلي الإجمالي أو ما يصطلح عليه بالناتج المحلي الإجمالي الأخضر أو المعدّل بيئياً (Green Gross Domestic Product (GDPأو (Environmentally - Adjusted Domestic Product (EDP يستمد أساساً من مفهوم التنمية المستدامة أو القابلة للاستمرار Sustainable Development (المشار إليه أول مرة في تقرير لجنة برانت لاند Braundtland Commission عام 1987).
وعادة ما يدرس موضوع التنمية المستدامة من خلال ثلاث مناهج هي:
المنهج الأول: الاقتصادي والاجتماعي والبيئي
يتضمن دراسة العلاقات المتبادلة ما بين الأركان الثلاث. وخدمةً لهذا المنهج أصدرت اللجنة الإنمائية للأمم المتحدة صياغة أولية لدليل المحاسبة البيئية والاقتصادية المتكاملة Integrated Economic and Environmental Accounting عام 1993، يشار له عادة بــ (SEEA) ليقوم بمهمة تقييم الأركان الاقتصادية والبيئية المنظوية تحت مفهوم التنمية المستدامة (مع إعطاء وزن أقل للركن الاجتماعي. وقد تم تحديث هذه الصياغة لتصدر عام 2000 تحت نفس المسمى وبإضافة دليل عملي Operational Manual بحيث يوفر منهج الخطوة - خطوة في مجال السياسات. إلاّ أن أحدث إصدار موسع لهذه الصياغة ظهر عام 2003 (الدليل البيئي فيما بعد)، وبالتعاون مع البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بحيث ركز هذا الإصدار على جانب المحاسبة العينية Physical Accounting من خلال مصفوفة الحسابات الاجتماعية المتضمنة للاعتبارات البيئية National Accounting Matrix Including Environmental Accounts (NAMIEA) .
المنهج الثاني: المنهج الحيوي Ecological
يعتمد هذا المنهج على مقولة أن الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية تعتمد أو تابعة للبيئة الكونية Global Environment ، ويتبع هذه المقولة أن استدامة الأجواء الاقتصادية والاجتماعية تتبع الاستدامة البيئية. وبناء على ذلك ينظر إلى " التنمية " من وجهة النظر البيئية أو الحيوية Ecological على أنها تشير إلى قدرة النظام الحيوي Ecosystem للاستجابة إيجابياً للتغير. معنى ذلك أن العنصر الرئيسي المطلوب ديمومته هو قدرة الأنظمة الحيوية للاستجابة، بمرونة، للاضطرابات والتغيرات الخارجية. ويتطلب ذلك المحافظة على " صحة " الأنظمة الحيوية إذا ما كان المستهدف من هذه الأنظمة هو مرونتها للمحافظة على الديمومة الاقتصادية والاجتماعية. ويعتبر تعبير " صحة الأنظمة الحيوية " تعبيراً مجازياً مستمد من علوم الصحة الإنسانية. لذا يمكن النظر إليه على أنه " مورد Resource " يُمكّن الأنظمة الحيوية من التكيف والتطور في مواجهة الظواهر المتغيرة.
ويتضمن منهج صحة النظام الحيوي، في مجال التنمية المستدامة، مقياساً يحتوي على فئتين: تشمل الفئة الأولى مقاييس " الضغوط Pressures " على الأنظمة الحيوية من قبل الأنشطة الإنسانية (مثل استخراج الطاقة والموارد، وإعادة الهيكلة المادية، وانبعاثات التلوث، واستيلاء الإنسان على الفضاء والتأثير على إنتاجية الأنظمة الحيوية،..). وتكمن هذه الضغوط وراء أسباب خفض صحة الأنظمة الحيوية والمعبر عنها في تآكل وظائف أو خدمات Degradation هذه الأنظمة، أو / و خفض الخيارات الإدارية.
أما الفئة الثانية فتتضمن إجراءات الاستجابة للضغوط الواردة في الفئة الأولى. وتتخذ هذه الإجراءات أربعة أشكال : (i) إجراءات توصيف حالة النظم الحيوية، (ii) إجراءات توضح أسباب التغيرات في النظم الحيوية، (iii) إجراءات توضح التغيرات المتوقعة بالأنظمة الحيوية في مواجهة الضغوط (الفئة الأولى)، وأخيراً، (iv) إجراءات تتعلق بقدرة الأنظمة الحيوية في التعامل مع الضغوط المفروضة.
ورغم أن الدليل البيئي يستخدم البيانات المرتبطة بمنهج الأنظمة الحيوية في مجال التنمية المستدامة، إلاّ أن الاستفادة القصوى من تكامل البيانات الاقتصادية والبيئية لا يمكن ضمانها بالكامل من خلال الأنظمة الحيوية. وبدلاً من ذلك يقوم منهج آخر باستخدام أفضل لهذا النوع من التكامل، وهو منهج رأس المال Capital Approach.
المنهج الثالث: رأس المال
يعتبر منهج رأس المال، المنهج الثالث لدراسة التنمية المستدامة، من أقرب المناهج للاقتصاديين، رغم أنه يتخطى كثيراً مجال اهتماماتهم. حيث يستعير هذا المنهج مفهوم رأس المال من علم الاقتصاد، ثم يقوم بتوسيع هذا التعريف ليشمل كثيراً من الاعتبارات الملائمة لديمومة التنمية البشرية.
ورغم ما يواجه الفرد من اختلاف ما بين الاقتصاديين على مفهوم التنمية المستدامة، إلاّ أنه يوجد اتفاق أساسي على نقطة واحدة وهي أن التنمية المستدامة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمفهوم الدخل (والذي عرفه الاقتصادي البريطاني الشهير هيكس Hicks على أنه أكبر قدر يمكن للشخص أن يستهلكه خلال فترة معينة مع بقاء رفاه هذا الشخص دون تغير ما بين أول وآخر الفترة. وأبرز مثال على ذلك قيام شخص باستثمار رصيد من أمواله يبلغ، على سبيل المثال مليون دولار وبعائد 10% سنوياً، عندها يمكن اعتبار الــ 100 ألف دينار، العائد السنوي، كدخل مع عدم استنفاد الرصيد أو الثروة، مبلغ المليون دولار).
ورغم التفاوت ما بين اقتصاديات الفرد والاقتصاد القومي، إلاّ أن مفهوم الدخل الفردي ينطبق بالكامل على حالة الاقتصاد القومي . حيث يمكن القول بأن دخل البلد يشير إلى المبالغ المنفقة جماعياً خلال فترة معينة من دون استنفاد أصل رأس المال (الثروة) المستخدم في توليد الدخل.
وقد كان لاستخدام مفهوم التنمية المستدامة الأثر في تغير نظرة الاقتصاديين للدخل القومي وعلاقته بالثروة القومية. حيث كان يتم التركيز على رأس المال المنتج Produced كأساس للثروة، ومن ثم الدخل، وينظر للموارد الطبيعية على أنها هبه وذات عرض مرن بالكامل Perfectly Elastic. أما حالياً فهناك تغير واضح في النظرة للدخل والثروة. ففي ظل التركيز على التنمية المستدامة، بهدف المحافظة على الطاقات الإنتاجية للبيئة، تغيرت قناعات الاقتصاديين من حيث أنه لم يعد بالإمكان إهمال رأس المال الطبيعي أثناء المناقشات الخاصة بالدخل والثروة، وأيضاً في المناقشات الخاصة برأس المال البشري والاجتماعي. وهو الأمر الذي أدى إلى تفسير جديد للتنمية المستديمة، من وجهة نظر رأس المال، بحيث تشير إلى التنمية التي تضمن عدم خفض حصة الفرد من الثروة الرأسمالية القومية، على أن يتم تحقيق ذلك من خلال الإحلال أو المحافظة على موارد هذه الثروات: أي رصيد رأس المال المنتج Produced، والاجتماعي، والبشري. ورغم أهمية راس المال البشري والاجتماعي في هذا المجال، إلاّ أن الدليل البيئي لا يأخذه بنظر الاعتبار عند المعالجات المحاسبية للتنمية المستديمة، حيث يركز على رأس المال الطبيعي (الموارد الطبيعية)، وعلى علاقة هذا النوع من رأس المال بالتنمية المستدامة، والمقترحات التي يقدمها الدليل لقياس رأس المال الطبيعي (أو الأصول غير المنتجة حسب تعبير نظام الحسابات القومية لعام 1993، نظام الحسابات القومية فيما بعد)، تتم الإشارة إلى رأس المال المنتج Produced في إطار الدليل البيئي ضمن آليتين: الأولى في حسابات الأصول حيث تعالج الموارد الطبيعية المفتلحة Cultivated باعتبارها رأس مال منتج. والثانية في حسابات حماية البيئة وإدارة الموارد حيث يتم تقدير قيمة رأس المال المنتج المستخدم للأغراض البيئية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق